فصل: ذكر ما كان من الحارث وأصحابه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر عدة حوادث

وفيها عزل هشام عبيد الله بن الحبحاب الموصلي عن ولاية مصر واستعمله على إفريقية فسار إليها‏.‏

وفيها سير ابن الحبحاب جيشًا إلى صقلية فلقيهم مراكب الروم فاققتلوا قتالًا شديدًا فانهزمت الروم وكانوا قد أسوا جماعة من المسلمين منهم عبد الرحمن بن زياد فبقي أسيرًا إلى سنة إحدى وعشرين ومائة وفيها سير ابن الحبحاب أيضًا جيشًا إلى السوس وأرض السودان فغنموا وظفروا وعادوا‏.‏

وفيها استعمل عبد الله بن الحبحاب عطية بن الحجاج القيسي على الأندلس فسار إليها ووليها في شوال من هذه السنة وعزل عبد الملك ابن قطن وكان له كل سنة غزاة وعو الذي افتتح جليقية والبتة وغيرهما وقيل‏:‏ بل ولي عبيد الله بن الحبحاب إفريقة

وحج بالناس هذه السنة الوليد بن يزيد بن عبد الملك وكان ولي عهد‏.‏

وكان العمال على الأمصار من تقدم ذكرهم إلا خراسان فكان عاملها عاصم بن عبد الله‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع عشرة ومائة

في هذه السنة غزا معاوةً بن هشام الصائفة اليسرى وغزا سليمان بن هشام الصائفة اليمنى من نحو الجزيرة وفرق سراياه في أرض الروم‏.‏

وفيها بعث مروان بن محمد وهو على أرمينية بعثين وافتحح أحدهما حصونًا ثلاثة من اللان نزل الآخر على تومانشاه فنزل أهلها على الصلح‏.‏

  ذكر عزل عاصم عن خراسان وولاية أسد

وفي هذه السنة عزل هشام بن عبد الملك عاصم بن عبد الله عن خراسان وولاها خالد بن عبد الله القسري فاستخلف خالد عليها أخاه أسد بن عبد الله‏.‏

وكان سبب ذلك أن عاصمًا كتب إلى هشام‏:‏ أما بعد فإن الرائد لا يكذب أهله وإن خراسان لا تصلح إلا أن تضم إلى صاحب العراق فتكون موادها ومعونتها من قريب لتباعد أمير المؤمنين عنها‏.‏

وتباطؤ غياثه عنها‏.‏

فضم هشام خرسان إلى خالد بن عبدالله القسري وكتب اليه ‏:‏ ابعث أخاك يصلح ماأفسد فإن كانت سببه كانت به فسير خالد اليها أخاه اسداَ‏.‏

فلما بلغ عاصما إقبالً أسد وأنه قد سير على مقدمت محمد بنمالك الهمدانى صالح الحرث بن سُريج وكتبا بنهما كتاباَ على أن ينزل الحارث أي كُور خرسان شاء وان يكتبا جميعًا الى هشام يسألانه بكتاب الله وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن ابى اجتمعا عليه فختم الكتاب بعض الرؤساء وابى يحيى بن حضين بن المنذر أن يختم وقال‏:‏ هذا خلع لأمير المؤمنين فأنفسخ ذلك‏.‏

وكان عاصم بقرية بأعلى مرو وأتاه الحارث بن سريج فالتقوا واقتتلوا قتالًا شيدًا فانهزم الحارث وأسر من أصحابه أسرى كثيرة منهم عبد الله بن عخمرو المازني راس أهل مرو الروذ فقتل عاصم الأسرى وكان فرس الحارث قد رمي بسهم فنزعه الحارث وألح على الفرس بالضرب والحضر ليشغله عن أثر الجراحة وحمل عليه رجل من أهل الشام فلما قرب منه مال الحارث عن فرسه ثم ابتع الشامي فقال له‏:‏ أسألك بحرمة الإسلام في دمي‏!‏ فقال‏:‏ انزل عن فرسك‏.‏

فنزل عن فرسه فركبه الحارث فقال رجل من عبد القيس في ذلك‏:‏ تولت قريش لذة العيش واتقت بنا كل فج من خراسان أغبرا فليت قريشًا أصبحوا ذات ليلةٍ يعومون في لج من البحر أخضرا وعظم أهل الشام يحيى بن حضين لما صنع في نقض الكتاب وكتبوا كتابًا بما كان وبهزيمة الحارث مع محمد بن مسلم العنبري‏.‏

فلقي أسد بن عبد الله بالري وقيل ببيهق فكتب إلى أخيه خالد ينتحل أنه هزم الحارث ويخبره بأمر يحيى فأجاز خالد يحيى بعشرة آلاف دينار ومئة من الخيل‏.‏

وكانت ولاية عاصم أقل من سنة فحبسه أسد وحاسبه وطلب منه مائة ألف درهم وقال‏:‏ إنك لم تفر وأطلق عمارة بن حريم وعمال الجنيد‏.‏

فلما قدم أسد لم يكن لعاصم إلا مرو ونيسابور والحارث بمرو الروذ وخالد ابن عبد الله الهجري بآمل موافق للحارث فخاف أسد إن قصد الحارث بمرو الروذ أن يأتي الهجري من قبل آمل وإن قصد الهجري قصد الحارث مرو من قبل مرو الروذ‏.‏

فأجمع على توجيه عبد الرحمن بن نعيم في أهل الكوفة والشام إلى الحارث بمرو الروذ وسار أسد بالناس إلى آمل فلقيه خيل آمل عليهم زياد القرشي مولى حيان النبطي وغيره فهزموا حتى رجعوا إلى المدينة فحصرهم أسد ونصب عليهم المجانيق وعلين الهجري من أصحاب الحارث فلطلبوا الأمان فأرسل إليهم أسد‏:‏ ما تطلبون قالوا‏:‏ كتاب الله وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن لا تأخذ أهل المدن بجنيتنا‏.‏

فأجابهم إلى ذلك فاستعمل عليهم يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيباني وسار يريد بلخ فأخبر أن أهلها قد بايعوا سليمان بن عبد الله بن خازم‏.‏

فسار حتى قدمها واتخذ سفنًا وسار منها إلى ترمذ فوجد الحارث محاصرًا لها وبها سنان الأعرابي فنزل أسد دون النهر لم يطق العبور إليهم ولا يمدهم وخرج أهل ترمذ من المدينة فقاتلوا الحارث قتالًا شديدًا واستطرد الحارث لهم وكان قد وضع كيمنًا فتبعوه ونصر بن سيار مع أسد جالس ينظر فاظهر الكراهية وعرف أن الحارث قد كادهم وظن أسد أنما ذلك شفقة على الحارث حين ولي وأراد معاتبة نصر وإذا الكمين قد خرج عليهم فانهزموا‏.‏

ثم ارتحل أسد إلى بلخ وخرج أهل ترمذ إلى الحارث فهزموه وقتلوا جماعة من أهل البصائر منهم‏:‏ عكرمة وأبو فاكمة‏.‏

ثم سار أسد سمرقند في طريق زم فلما قد زم بعث إلى الهيثم الشيباني وهو في حصن من حصونها وهو من أصحاب الحارث فقال له أسد‏:‏ إنما أنكرتم علي قولكم ما كان من سوء السيرة ولم يبلغ ذلك السبي واستحلال الفروج ولا غلبة المشركين على مثل سمرقند وأنا أريد سمرقند ولك عهد الله وذمته أن لا ينالك مني شر ولك المواساة والكرامة والأمان ولمن معك وإن أبيت ما دعوتك إليه فعلي عهد الله إن أنت رميت بسهم أن لا أؤمنك بعده وإن جعلت لك ألف أمان لا أفي لك به‏.‏

فخرج إليه على الأمان وسار معه إلى سمرقند ثم ارتفع إلى ورغسر وماء سمرقند قمها فسكر الوادي وصرفه عن سمرقند ثم رجع إلى بلخ‏.‏

  ذكر حال دعاة بني العباس

قيل‏:‏ وفي هذه السنة أخذ أسد بن عبد الله جماعة من دعاة بني العباس بخراسان فقتل بعضهم ومثل بعضهم وحبس بعضهم وكان فيمن أخذ‏:‏ سليمان بن كثير ومالك بن الهيثم وموسى بن كعب ولا هيز بن قريظ وخالد بن إبراهيم وطلحة بن زريق فأتي بهم فقال لهم‏:‏ يا فسقة ألم يقل الله تعالى‏:‏ ‏{‏عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 95‏]‏‏.‏ فقال له سليمان‏:‏ نحن والله كما قال الشاعر‏:‏

لو بغير الماء حلقي شرق ** كنت كالغصان بالماء اعتصاري

صيدت والله العقارب بيديك‏!‏ إنا ناس من قومك‏!‏ وإن المضربة رفعوا إليك هذا لأنا كنا أشد الناس على قتيبة بن مسلم فطلبوا بثأرهم‏.‏

فبعث بهم إلى الحبس ثم قال لعبد الرحمن بن نعيم‏:‏ ما ترى قال‏:‏ أرى أتن تمن بهم على عشائرهم‏.‏

قال‏:‏ لا أفعل فاطلق ن كان فيهم من أهل اليمن لأنه منهم ومن كان من ربيعة أطلقه أيضًا لحلفهم مع اليمن وأراد قتل من كان من مضر فدعا موسى بن كيعب وألجمه بلجام حمار وجذب اللجام فتحطمت أسنانه ودق وجهه وأنفه ودعا لاهز بن قريظ فقال له‏:‏ ما هذا بحق تصنع بنا هذا وتترك اليمانيين والربعيين فضربه

  ذكر ولاية عبيد الله بن الحبحاب إفريقية والأندلس

في هذه السنة استعمل هشام بن عبد الملك على إفريقة والأندلس عبيد الله ابن الحبحاب وأمره بالمسير إليها وكان واليًا على مصر فاستخلف عليها ولده وسا إلى إفريقية وايتعمل على الأندلس عقبة بن الححجاج واستعمل على طنجة ابنه إسماعيل وبعث حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع غازيًا إلى المغرب فبلغ السوس الأقصى وأرض السودان فلم يقالتله أحد إلا ظهر عليه وأصاب من الغنائم والسبي أمرًا عظيمًا فملئ المغرب منه رعبًا وأصاب في السبي جارتيتين من البربر ليس لكل واحدة منهما غير ثدي واحد ورجع سالمًا‏.‏

وسير جيشًا في البحر سنة سبع عشرة إلى حزيرة الردانية ففتحوا منها ونهبوا وغنموا وعادوا‏.‏

ثم سيره غازبًا إلى جزيرة صقلية سنة اثنتين وعشرين ومائة ومعه ابنه عبد الرحمن بن حبيب فلما نزل بأرضها وجه عبد الرحمن على الخيل فلم يلقه أحد إلا هزمه عبد الرحمن فظفر ظفرًا لم ير مثله حتى نزل على مدينة سرقوسة وهي من أعظم مدن صقلية فقاتلوه فهزمهم وحصرهم فصالحوه على الجزية وعاد إلى أبيه وعزم حبيب على المقام بصقلية إلى أن يملكها جميعًا فأتاه كتاب ابن الحبحاب يتدعيه إلى إفريقية‏.‏

وكان سبب ذلك أنه استعمل على طنجة ابنه إسماعيل وجعل معه عمر ابن عبد الله المرادي فأساء السيرة وتعدى وأراد أن يخمس مسلمي البربر وزعم أنهم فيء للمسلمين وذلك شيء لم يرتكبه أحد قبله فلما سمع البربر بمسير حبيب بن أبي عبيدة إلى صقلية بالعساكر طمعوا ونقضوا الصلح على ابن الحبحاب وتداعت عليه بأسرها ملمها وكافرها وعظم البلاء وقدم من بطنجة من البربر على أنفسهم ميسرة السقاء قم المغدوري وكان خارجيًا صفريًا وسقاء وقصدوا طنجة فقالتلهم عمر بن عبد الله فقتلوه واستولوا على طنجة وبايعوا ميسرة بالخلافة وخوطب بأمير المؤمنين وكثر جمعه من البربر وقوي أمره بنواحي طنجة‏.‏

وظهر في ذلك الوقت جماعة بإفريقية فأظهروا مقالة الخوارج فأرسل ابن الحبحاب إلى حبيب وهو بصقلية يتسدعيه إليه لقتال ميسرة الساء لأن أمره كان قد عظم فعاد إلى إفريقية‏.‏وكان ابن الحبحاب قد سير خالد بن حبيب في جيش إلى ميسرة فلما وصل حبيب بن أبي عبيدة سيره في أثره والتقى خالد وميسرة بنواحي طنجة واقتتلوا قتالًا شديدًا لم يسمع بمثله وعاد ميسرة إلى طنجة فأنكرت البربر سيرته وكانوا بايعوه بالخلافة فقتلوه وولوا أمرهم خالد بن حميد الزناتي ثم التقى خالد بن حميد ومعه البربر بخالد بن حبيب ومعه العرب وعسكر هشام وكان بينهم قتال شيد صبرت فيه العرب وظهر عليهم كمين من البربر فانهزموا وكره وقتل في هذه الوقعة حماة العرب وفرسانها فسميت غزوة الأشراف وانتقضت البلاد وخرج أمر الناس وبلغ أهل الأندلس الخبر فثاروا بأميرهم عقبة بن الحجاج فعزلوه وولوا عبد الملك بن قطن فاختلطت الأمور على ابن الحبحاب وبلغ الخبر إلى هشام بن عبد الملك فقال‏:‏ لأغضبن للعرب غضبة وأسير جيشًا يكون أولهم عندهم وآخرهم عندي ثم كتب إلى ابن الحبحاب يأمره بالحضور فسار إليه في جمادى سنة ثلاث وعشرين ومائة واستعمل هشام عوضه كلثوم بن عياض القشيري وسير معه جيشًا كثيفًا وكتب إلى سائر البلاد التي على طريقه بالمسير معه فوصل إفريقية وعلى مقدمته بلج بن بشر فوصل إلى القيروان ولقي أهلها بالجفاء والتكبير عليهم وأراد أن ينزل العسكر الذي معه في منازلهم فكتب أهلها إلى حبيب بن أبي عبيدة وهو بتلمسان مواقف البربر يشكون إليه بلجًا وكلثومًا فكتب حبيبب إلى كلثوم يقول له إن بلجًا فعل كيت وكيت فارحل عن البلد وإلا رددنا أعنة الخيل إليك‏.‏

فاعتذر كلثوم وسار إلى حبيب وعلى مقدمته بلج بن بشر فاستخف بحبيب وسبه وجرى بينهما منازعة ثم اصطلحوا واجتمعوا على قتلا البربر وتقدم إليهم البربر من طنجة فقال لهم حبيب‏:‏ اجعلوا الرجالة للرجالة والخيالة للخيالة فلم يقبلوا منه وتقدم كلثوم بالخيل فقاتله رجالة البربر فهزموه فعاد كلثوم منهزمًا ووهن الناس ذلك ونشب القتال وانكشفت خيالة البربر وثبتت رجالتها واشتد القتال وكثر البربر عليهم فقتل كلثوم بن عياض وحبيب بن أبي عبيدة ووجوه العرب وانهزمت العرب وتفرقوا‏.‏

فمضى أهل الشام إلى الأندلس ومعهم بلج بن بشر وعبيد الرحمن بن حبيب ابن أبي عبيدة وعاد بعضهم إلى القيروان‏.‏

فلما ضعفت العرب بهذه الوقعة ظهر إنسان يقال له عكاشة بن أيوب الفزاري بمدينة قابس وهو على رأي الخوارج الصفرية فسار إليه جيش من القيروان فاقتتلوا قتالًا شديدًا فانهزم عسكر القيروان فخرج إليه عسكر آخر فانهزم عكاشة بعد قتال شديد وقتل كثير من أصحابه ولحق عكاشة ببلاد الرمل‏.‏

فلما بلغ هشام بن عبد الملك قتل كلثوم بعث أميرًا على إفريقية حنظلة ابن صفوان الكلبي فوصلها في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين ومائة فلم يمكث بالقيروان إلا يسيرًا حتى زحف إليه عكاشة الخارجي في جمع عظيم من البربر وكان حين انهزم حشدهم ليأخذ بثأره وأعانه عبد الواحد بن يزيد الهواري ثم المدغمي وكان صفريًا في عدد كثير وافترقا ليقصدوا القيروان من جهتين فلما قرب عكاشة خرج إليه حنظلة ولقيه مفردًا واقتتلوا قتالًا شديدًا وانهزم عكاشة وقتل من البربر ما لا يحصى وعاد حنظلة إلى القيروان خوفًا عليها من عبد الواحد وسير إليه جيشًا كثيفًا عدتهم أربعون ألفًا فساروا إليه فلما قاربوه لم يجدوا شعيرًا يطعمونه دوابهم

فأطعموها حنطةً ثم لقوه من الغد فانهزموا من عبد الواحد وعادوا إلى القيروان وهلكت دوابهم بسبب الحنطة‏.‏

فلما وصلوها نظروا وإذا قد هلك منهم عشرون ألف فرس وسار عبد الواحد فنزل على ثلاثة أميال من القيروان بموضع يعرف بالأصنام وقد اجتمع معه ثلاثمائة ألف مقاتل فحشد حنظلة كل من بالقيروان وفرق فيهم السلاح والمال فكثر جمعة فلما دنا الخوارج من عبد الواحد خرج إليهم حنظلة من القيروان واصطفوا للقتال وقام العلماء في أهل القيروان يحثونهم على الجهاد وقتال الخوارج ويذكرونهم ما يفعلونه بالنساء من السبي وبالأنباء من الاسترقاق وبالرجال من القتل فكسر الناس أجفان سوفهم وخرج إليهم نشاؤهم يحرضنهم فحمي الناس وحملوا على الخوارج حملة واحدة وثبت بعضهم لبعض فاشتد اللزام وكثر الزحام وصبر الفريقان ثم إن الله تعالى هزم الخوارج والبربر ونصر العرب وكثر القتل في البربر وتبعوهم إلى جلولاء يقتلون ولم يعلموا أن عبد الواحد قد قتل حتى حمل رأسه إلى حنظلة فخر الناس الله سجدًا‏.‏

فقيل‏:‏ لم يقتل بالمغرب أكثر من هذه القتلة فإن حنظلة أمر بإحصاء القتلى فعجز الناس عن ذلك حتى عدوهم بالقصب فكانت عدة القتلى مائة ألف وثمانين ألفًا ثم أسر عكاشة مع طائفة أخرى بمكان آخر وحمل إلى حنظلة فقتله وكتب حنظلة إلى هشام بن عبد الملك بالفتح وكان الليث بن سعد يقول‏:‏ ما غزوة إلى الآن أشد بعد غزوة بدر من غزوة العرب بالأصنام‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة غزا معاوية بن هشام الصائفة اليسرى وغزا سليمان بن هشام الصائفة اليمنى من نحو الجزيرة وفرق سراياه في أرض الروم‏.‏

وحج بالناس هذه السنة خالد بن عبد الملك‏.‏

وكان العامل على مكة والمدينة والطائف محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي وعلى أرمينية وأذربيجان مروان بن محمد‏.‏

وفيها توفيت فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب‏.‏

وسكينة بنت الحسين‏.‏

وفيها مات عبد الرحمن بن هرمز الأعرج بالإسكندرية‏.‏

وفيها توفي ابن أبي مليكة واسمه عبد الله بن عبيد الله بن أب مليكة‏.‏

وأبو رجاء العطاردي‏.‏

وأبو شاكر مسلمة بن هشام بن عبد الملك‏.‏

وفيها توفي ميمون ابن مهران الفقيه وقيل سنة ثماني عشرة‏.‏

وفيها توفي نافع مولى ابن عمر وقيل سنة عشرين‏.‏

وفيها توفي أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم وقيل سنة عشرين وقيل سنة ست وعشرين وقيل سنة ثلاثين‏.‏وفيها ماتت عائشة ابنة سعد بن أبي وقاص‏.‏

وسعيد بن يسار‏.‏

  ثم دخلت سنة ثماني عشرة ومائة

في هذه السنة غزا معاوية وسليمان ابنا هشام بن عبد الملك أرض الروم‏.‏

  ذكر دعاة بني العباس

في هذه السنة وجه بكير بن ماهان عمار بن يزيد إلى خراسان واليًا على شيعة بن العباس فنزل مرو وغير اسمه وتسمى بخداش ودعا إلى محمد بن علي فسارع إليه الناس وأطاعوه ثم غير ما دعاهم إليه وتكذب وأظهر دين الخرمية ودعا اليه ورخص لبعضهم في نساء بعض وقال لهم‏:‏ إنه لا صوم ولا صلاة ولا حج وإن تأويل الصوم أن يصام عن ذكر الإمام فلا يباح باسمه والصلاة الدعاء له والحج القصد إليه وكان يتأول من القرآن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات‏}‏ ‏[‏ المائدة‏:‏ 93‏]‏‏.‏

وكان خداش نصرانيًا بالكوفة فأسلم ولحق بخرايان‏.‏

وكان ممن اتبعه على مقاتله مالك الهيثم والحريش بن سليم الأعجمي وعغيرهما وأخبرهم أم محمد بن علي أمر بذلك‏.‏

فبلغ خبره أسد بن عبد الله فظفر به فأغلظ القول لأسد فقطع لسانه وسمل عينيه وقال‏:‏

الحمد الله الذي انتقم لأبي بكر وعمر منك‏!‏ وأمر يحيى ابن نعيم الشيباني فقتله وصلبه بآمل وأتي أسد بجزور مولى المهاجر بن دارة الضبي فضرب عنقه بشطاء النهر‏.‏

  ذكر ما كان من الحارث وأصحابه

وفي هذه السنة نزل أسد بلخ وسرح جديعًا الكرماني إلى القلعة التي فيها أهل الحارث وأصحابه واسمها التبووشكان من طخارستان العليا وفيها ينو برزى التغلبيون أصهار الحارث فحصرهم الكرماني حتى فتحها فقتل بني برزى وسبى عامة أهله من العرب والموالي والذرادي وباعهم فيمن يزيد في سوق بلخ ونقم على الحارث أربعمائئة وخمسون رجلًا من أصحابه وكان رئيسهم جرير بن ميمون القاضي فقال لهم الحارث‏:‏ إن كنتم لا بد مفارقي فاطلبوا الأمان وأنا شاهد فإنهم يجيبونكم وإن ارتحلت قبل ذلك لم يعطوا الأمان‏.‏

فقالوا‏:‏ ارتحل أنت وخلنا‏.‏

وأرسلوا يطلبون الأمان فاخبر أسد أن القوم ليس لهم طعام ولا ماء فسرح إليهم أسد جديعًا الكرماني في ستة آلاف فحصرهم في القلعة وقد عطش أهلها وجاعوا فسألوا أن ينزلوا على الحكم ويترك لهم نساءهم وأولادهم فاجابهم فنزلوا على حكم أسد فأرسل إلى الكرماني يأمره أن يحمل إليه خمسين رجلًا من وجوههم فيهم المهاجر بن ميمون فحملوا إليه فقتلهم وكتب إلى الكرماني أن يجعل الذين بقوا عنده أثلاثًا فثلث يقتلهم وثلث يقطع أيديهم وأرجلهم وثلث يقطع أديهم ففعل ذلك الكرماني وأخرج أثقالهم فباعها‏.‏

واتخذ أسد ميدنة بلخ دارًا ونقل إليها الدواوين ثم غزا طخارستان قم أرض جبوية فغنم وسبى‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة عزل هشام خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم عن المدينة واستعمل عليها خالد محمد بن هشام بن إسماعيل‏.‏

وفيها غزا مروان بن محمد بن مروان من أرميننية ودخل أرض ورنيس إلى الخزر ونزل حصنه فحصره مروان ونصب عليه المجانيق فقتل ورنيس قتله بعض من اجتاز به وأرسل رأسه إلى مروان فنصبه لأهل حصنه فنزلوا على حكمه فقتل المقالتلة وسبى الذرية‏.‏

وفي هذه السنة مات علي بن عبد الله بن عباس وكان موته بالحميمة من أرض الشام وهو ابن سبع أو ثمان وسبعين سنة وقيل‏:‏ إنه ولد في الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب فسماه أبوه عليًا وقال‏:‏ سميته باسم أحب الناس إلي وكناه أبا الحسن فلما قجم على عبد المكل بن مروان أكرمه وأجلسه معه على سريره وسأله عن كنيته فأخبره فقال‏:‏ لا يجتمع في عسكري هذا

الاسم والكنية لأحد وسأله‏:‏ هل ولد لك ولد قال‏:‏ نعم وقد سميته محمدًا قال‏:‏ فأنت أبو محمد‏.‏

وحج بالناس هذه السنة محمد بم هشام بن إسماعيل وكان أمير المدينة وقيل‏:‏ كان هذه السنة على المدينة خالد بن عبد الملك وكان على العراق والمشرق كله خالد القسري وعامله على خراسان أخوه أسد وعامله على البصرة بلال بن أبي بردة وكان على أرمينية مروان بن محمد بن مروان‏.‏

وفي هذه السنة مات عبادة بن نسي قاضي الأردن‏.‏

وعممرو بن شعيب ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العباس ومات بالطائف‏.‏وأبو صخرة جامع بن شداد‏.‏

وأبو عشابة المعافري‏.‏

وعبد الرحمن سليط

  ثم دخلت سنة تسع عشرة ومائة

  ذكر قتل خاقان

لما دخل أسد الختل كتب ابن السايجي إلى خاقان وهوبنواكث يعلمه دخول أسد الختل وتفرق جنوده فيها وأنه يحتال مضيعة فلما أتاه كتابه أمر أصحابه بالجهاز وسار فلما أحس ابن السايجي بمجيء خاقان بعث إلى أسد‏:‏ اخرج عن الختل فإن خاقان قد أظلك‏.‏

فشتم الرسول ولم يصدقه‏.‏

فبعث ابن السايجي‏:‏ إني لم أكذبك وأنا الذي أعلمته دخولك وتفرق عسكرك وأنها فرصة له وسألته المدد فغن لقيك على هذه الحال ظفر بك وعاتنب العرب أبدًا ما بقيت واستطال على خاقان واشتدت مؤونته وقال‏:‏ أخرجت العرب من بلادك ورددت عليك ملكك‏.‏

فعرف أسد أنه قد صدقه فأمر بالأثقال أن تقدم وجعل عليها إبراهيم بن عاصم العقيلي وأخرج معه المشيخة فسارت الأثقال ومعها أهل الصغانيان وصغان خذاه وأقبل أسد من الختل نحو الجبل الملح يريد أن يخوض نهر بلخ وقد قطع إبرايهم بن عاصم بالسبي وما أصلبوا وأشرف أسد على النهر فأقام يومه فلما كان الغد عبر النهر في مخاض 1 ه وجعل الناس يعبرونن فادركهام خاقان فقتل من لم يقطع النهلأ وكانت المسلحة على الأزد وتميم فقاتلوا خاقان وانكشفوا‏.‏

وأقبل خاقان وظن المسلمون أنه لا يعبر إليهم النره فلما نظر خاقان إلى النهر أمر الترك بعبوره فعبرونه ودخل المسلمون عسكرهم وأخذ الترك ما رأوه خارجًا وخرج الغلمان فضاربوهم بالعمد فعادوا وبات أسد والمسلمون وعببأ أصحابه من الليل فلما أصبح لم يرد خاقان فاستشار أصحابه فقالوا له‏:‏ اقبل العافية‏.‏

قال‏:‏ ما هذه عافة‏!‏ هذه بلية‏!‏ إن خاقان أصاب أمس من الجند والسلاح وما منعه اليوم منا إلا أنه قجد أخبره بعض من اخذه من الأسرى بموضع الأثقال أمامنا فار طمعًا فيها‏.‏

فارتحل وبعث الطلائع فلما أمسى استشار الناس في النزول أو المير فقال الناس‏:‏ اقبل العافية وما عسشى أن يكون ذهاب الأموال بعافيتنا وعافية أهل خراسان‏!‏ ونصر بن سيار مطرق‏.‏

فقال له أسد‏:‏ ما لك لا تتكلم قال‏:‏ أيها الأمير خلتان كلتاهما لك لإن تسر تغث من مع الأثقال وتخلصهم فإن انتهيت وقد هلكوا فقد قطعت مشقة لا بد من قطعها‏.‏

فقبل رأيه وسار بقية يومه ودعا أسد سعيدًا الصغير مولى باهلة وكان فارسًا بأرض الختل وكتب معه كتابًا إلى إبراهيم يأمره بالاستعداد ويخبره بمسير خاقان إليه وقال له‏:‏ لتجد السير‏.‏

فطلب منه فرسه الذبوب فقال أسد‏:‏ لعمري لئن جدت نفسك وبخلت عليك بالفرس إني إذًا للئيم‏.‏

فدفعه إليه فأخذ معه جنيبًا وسار‏.‏

فلما حاذى الترك وقد ساروا نحو الأثقال طلبته طلائعهم فركب الذبوب فلم يلحقوه فأتى إبراهيم بالكتاب‏.‏

وسار خاقان إلى الأثقال وقد خندق إبراهيم خندقًا فأتاهم وهم قيام عليه فأمر الصغد بقتلاهم فهزمهم المسلمون وصعد خاقان تلا فجعل ينظر ليرى عورة يأتي منها وهكذا كان يفعل فلما صعد التل رأى خلف العسكر جزيرة دونها مخاضة فدعا بعض قواد الترك فأمرهم أن يقطعوا فوق العسكر حتى يصيروا إلى الجزيرة ثم ينحدروا حتى يأتوا عسكر المسلمين من خلفهم وأن يبدأوا بالأعاجم واهل الصغانيان وقال لهم‏:‏ إن رجعوا إليكم دخلنا نحن‏.‏

ففعلوا ودخلوا من ناحية الأعاجم فقتلوا صغان خذاه وعامة أصحابه وأخذوا أموالهم ودخلوا عسكر إبراهيم فأخذوا جميع ما فيه وترك المسلمون التعبية واجتمعوا في موضع وأحسوا بالهلاك وإذا رهج قد ارتفع وإذا أسد في جنده قد أتاهم فارتفعت الترك عنهم إلى الموضع الذي كان فيه خاقان وإبراهيم يعجب من كفهم وقد ظفروا وقتلوا من قتلوا وهو لايطمع في أسد وكان أسد قد أغذ المسير وأقبل حتى وقف على التل الذي كان عليه خاقان وتنحى خاقان إلى ناحية الجبل فخرج إلى أسد من كان بقي مع الأثقال وقد قتل منهم بشرًا كثيرًا‏.‏

ومضى خاقان بالأسرى والجمال الموقرة والجواري وأمر خاقان رجلًا كان معه من أصحاب الحارث بن سريج فنادى أسدًا‏:‏ قد كان لك فيما وراء النهر مغزى إنك لشديد الحرص وقد كان عن الختل مندوحة وهي أرض آبائي وأجدادي‏.‏

فقال سد‏:‏ لعل الله أن ينتقم منك‏.‏

ويسار أسد إلى بلخ فعسكر في مرجها حتى أتى الشتاء ثم فرق الناس في الدور ودخل المدينة وكان الحارث بن سريج بناحية طخارستان فانضم إلى خاقان‏.‏

فلما كان وسط الشتاء أقبل خاقان وكان لما فارق أسد أتى كخارستان فأقام عند جبوية فأقبل فأتى الجوزجان وسبب مجيئه أن الحارث أخبره أنه لا نهوض بأسد فلم يبق معه كثير جند ونزل جزة فأتى الخبر إلى أسد بنزول خاقان بجزة فأمر بالنيران فرفعت بالمدينة فجاء الناس من الرساتيق إليها فأصبح أسد وصلى صلاة العيد عيد الأضحى وخطب الناس وقال‏:‏ إن عدوا الله الحارث بن سريج استجلب الطاغية ليطفئ نو الله ويبدل دينه والله مذله إن شاء الله وإن عدوكم قد أصاب من إخوانكم من أصاب وإن يرد الله نصركم لم يضركم قلتكم وكثرتهم فاستنصروا الله وإن أقرب ما يكون العبد من ربه إذا وضع جبهته له وإني نازل ووضاع جبهتي فاسجدوا له وادعوا مخلصين‏.‏

ففعلوا ورفعوا رؤوسهم ولا يشكون في الفتح ثم نزل وضحى وشارور الناس في المسير إلى خاقان قال قوم‏:‏ تحفظ مدينة بلخ وتكتب إلى خالد والخليفة تستمده‏.‏

وقال قوم‏:‏ تأخذ في طريق زم فتسبق خاقان إلى مرو‏.‏

وقال قوم‏:‏ بل تخرج إليهم‏.‏

فوافق هذا رأي أسد وكان عزم على لقائهم فخرج بالناس ركعيتين ططولهما ثم استقبل القبلة ونادى في الناس‏:‏ اعوا الله تعالى وأطال الدعاء فلما فرغ قال‏:‏ نصرتم ورب الكعبة إن شاء الله تعالى‏!‏ ثم سار فلما جاز قنطرة عطاء نزل وأراد المقام حتى يتلاحق به الناس ثم أمر بالرحيل وقال‏:‏ لا حاجة بنا إلى المتخلفين‏.‏

ثم ارتحل وعلى مقدمته سالم بن منصور البجلي في ثلاثمائة فلقي ثلاثمائة من الترك طليعة

لخاقان فأسر قائدهم وسبعة معه وهرب بقيتهم فأتي به أسد فبكى التركي فقال‏:‏ ما يبكيك قال‏:‏ لست أبكي لنفسي ولكني أبكي لهلاك خاقان إنه قد فرق جنوده بينه وبين مرو‏.‏

فسار أسد حتى شارف مدينة الجوزيجان فنزل عليها على فرسخين من خاقان وكان قد استباحها خاقان فلما أصبحوا تراءى العسكران فقال خاقان للحارث بن سريج‏:‏ أم تكن أخبرتين أن أسدًا لا حراك به وهذه العساكر قد أقبلت من هذا قال‏:‏ هذا محمد بن المثنى ورايته‏.‏

فبعث خاقان طليعة وقال‏:‏ انظروا هل ترون على الإبل سريرًا وكراسي فعادواإليه فأخبروه أنهم رأوها فقال خاقان‏:‏ هذا أسد‏.‏

وسار أسد قدر غلوة فلقيه سالم بن جناح فقال‏:‏ أبشر أيها الأمير قد حزرتم ولا يبلغون أربعة آلاف وأرجوا أن يكون خاقان عقير الله‏.‏

فصف أسد أصحابه وعبى خاقان أصحابه فلما التقوا حمل الحارث ومن معه من الصغد وغيهم وكانوا ميمنة خاقان على ميسره أسد فهزمهم فلم يردهم شيء دون رواق أسد وحملت ميمنة أسد وهم الجوزجان والأزد وتميم عليهم فانهزم الحارث ومن معه وانهزمت الترك جيمعها وحمل الناس جميعًا فتفرق الترك في الأرض لا يلوون على أحد فتبعهم الناس مقدار ثلاثة فراسخ يقتلون من يقدرون عليه حتى انتهوا إلى وأخذ خاقان طريقًا في الجبل والحارث يحميه وسا منهزمًا فقال الجوزجاني لعثمان بن عبد الله بن الشخير‏:‏ إني لأعلم ببلادي وبطرقها فهل تتبعني لعنلا نهلك خاقان قال‏:‏ نعم فاخذا طريقًا وسارا ومن معهما حتى أشسرفوا على خاقان فأوقعوا به فولى منهزمًا فحوى المسلمون عسكر الترك وما فيه من الأموال ووجدوا فيه من نساء العرب والموليات من نساء الترك من كل شيء‏.‏

ووحل بخاقان برذونه فحماه الحارث بن سريج ولم يعلم الناس أنه خاقان وأراد الخصي الذي لخاقان أن يحمل امرأة خاقان فأعجلوه فقتلها واستنقذوا من كان مع خاقان من لمسلمين‏.‏

وتتبع أسد خيل الترك التي فرقها في الغارة إلى مرو الوذ وغيها فقتل من قدر عليه منهم ولم ينج منهم غير القليل ورجع إلى بلخ‏.‏

وكان بشر الكرماني فب السرايا فيصيبون من الترك الرجل والرجلين وأكثر‏.‏

ومضى خاقان إلى طخارستان واقام عند جبوية الخزلجي ثم ارتحل إللا بلادده فلما ورد أشروسنة تلقاه خرابغره أو خاناجزه جد كاووس أبي أفشين بكل ما قدر عليه وكان ما بينهما متباعدًا إلا أنه أحب أن يتخذ عنده يدًا‏.‏

ثم أتى خاقان بلاده واستعد لحرب ومحاصرة سمرقند وحمل الحارث وأصحابه على خمسة آلاف برذون‏.‏

فلاعب خاقان يومًا كورصول بالنرد على خطر فنازعا فضرب كورصول يد خاقان وكسرها وتنحى وجمع جمعًا وبلغه أن خاقان قد حلف ليكسرن يده فبيت خاقان فقتله وتفرقت التك وتركوه مجردًا فأتاه نفر من الترك فدفنوه‏.‏

واشتغلت الترك يغير بعضها على بعض فعند ذلك طمع أهل الصغد في الرجعة إليها‏.‏

وأرسل أسد مبشرًا إلى هشام بن عبد الملك بما فتح الله عليهم وبقتل خاقان فلم يصدقه وقال للربيع حاجبه‏:‏ لا أظن هذا صادقًا اذهب فعده ثم سله عما يقول ففعل ما أمره به فأخبره بما أخبر به هشامًا ثم أرسل أسد مبشرًا آخر فوقف على بابا هشام وكبر فأجابه هشام بالتكبير فلما انتهى إليه أخبره بالفتح فسجد شكرًا لله تعالى فحسدت القيسية أسدًا وقالوا لهشام‏:‏ اكتب بطلب مقاتل بن حيان النبطي ففعل فسيره أسد إلى هشام فلما دخل عليه أخبره بما كان فقال له هشام‏:‏ حاجتك قال‏:‏ إن يزيد بن المهلب أخذ من أبي مائة ألف درهم بغير حق فاستحلفه على ذلك‏.‏

فكتب إلى أسد فردها عليه وقسمها مقاتل بين ورثة حيان على كتاب الله تعالى‏.‏

قال أبو الهندي يذكر هذه الوقعة أبا منذرٍ رمت الأمور وقستها وساءلت عنها كالحريص المساوم فما كان ذو رأي من الناس قسته برأيك إلا مثلي رأي البهائم ولا حج بيت الله من حج راكبًا ولا عمر البطحاء بعد المواسم وكم من قتيل بين سانٍ وجزة كسير الأيادي من ملوك قماقم تركت بأرض الجوزجان تزوره سباع وعقبان لحز الغلاصم وذي سوقةٍ فيه منٍ السيف خبطة به رمق ملقى لحوم الحوائم فمن هاربٍ منا ومن دائن لنا أسيرٍ يقاسي مبهمات الأداهم فدتك نفوس من تميم وعامر ومن مضر الحمراء عند المآزم هم أطمعوا خاقان فينا فأصبحت حلائبه ترجو خلو المغانم وكان ابن السايجي الذي أخبر أسدًا بميء خاقان قد استخلفه السبل على مملكته عند موته وأوصاه بثلاث خصان قال‏:‏ لا تستطل على أهل الختل استطالتي عليهم فإني ملك وأنت لست بملك إنما أنت رجل منهم وقال له‏:‏ اطلب الخيش حتى ترده إلى بلادكم فإنه الملك بعدي وكان الحنيش قد هرب إلى الصين وقال له‏:‏ لا تحاربوا العرب وادفعوها عنكم بكل حيلة‏.‏

فقال له ابن السايجي‏:‏ أما تركي الاستطالة عليهم وردي الحنيش فهو الرأي وأما قولك لا تحاربوا العرب فكيف وقد كنت أكثر الملوك محاربة لهم قال السبل‏:‏ قد جربت قوتكم بقوتي فما رأيتكم تقعون مني موقعًا وكنت إذا حاربتهم لم أفلت إلا حرضًا وإنكم إذا حاربتموهم هلكتم فهذا